من القصص الغريبة التي خرجت في العام الماضي من مقاطعة كويبيك الكندية، الناطقة باللغة الفرنسية، إعلان عن إعطاء الطلبة في المدارس التابعة للدولة دورة مكثفة في اللغة الإنجليزية. ويعود وجه الغرابة إلى أن جانبا كبيرا من الهوية الكويبيكية بُنيَ في نصف القرن الماضي على مقاومة اللغة الإنجليزية. وكانت سلطات المقاطعة تحظر على الناس القيام بأشياء تعتبر عادية في أماكن أخرى من كندا. وفي الخريف الماضي كشفت صحيفة ''لا بريس'' التي تصدر في مونتريال أن مديرين تنفيذيين في القطاع العقاري قدما عرضين باللغة الإنجليزية إلى صندوق تقاعد يوجد مقره في مدينة مونتريال، مخالفين بذلك قوانين تتعلق باللغة في المقاطعة، تعطي العاملين الحق في العمل في بيئة تنطق باللغة الفرنسية.
والآن، تتساءل السلطات المدرسية في مدينة كويبيك عما إذا حان الوقت لإدخال تلك الفصول الإنجليزية في النهاية. وقد ترك ترددها الآباء الذين يتحدثون بالفرنسية في حالة غضب. فمن ناحية يريد أولئك الآباء أن يتعلق أبناؤهم بمجتمعهم وبلغته، ومن ناحية أخرى تعتبر الإنجليزية لغة العمل العالمية، وسيواجه أبناؤهم صعوبة في ارتقاء السلم الاجتماعي من دونها.
هذا التناقض الذاتي يقلق جميع الحكومات عندما تحاول أن تحدد دوراً للغة الإنجليزية في ثقافتها الوطنية. فلفترة طويلة في شبابه، كان مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، من مشجعي لغة الملايو، حتى إنه جعلها لغة التعليم المدرسي قبل عقدين من الزمن. لكن في عام 2003 خرج بخطة لتدريس الرياضيات والعلوم بالإنجليزية، معللاً ذلك بأن معظم المؤلفات الفنية في هذين المجالين باللغة الإنجليزية. ومنيت الخطة بفشل ذريع، لأن القدرة على امتلاك ناصية اللغة الإنجليزية انخفضت بين المدرسين والطلبة في آن معا، وبدرجة أكبر مما حرص مهاتير على الاعتراف به. لكن عندما اقترحت الحكومة في عام 2009 عدم الاستمرار في البرنامج جن جنون الآباء والأمهات.
وليست كل الثقافات لديها المعاناة التاريخية نفسها التي لدى الماليزيين والكويبكيين مع اللغة الإنجليزية، لكن الجميع تقريباً يُجرُّون من دون مقاومة نحو إعطاء الإنجليزية دوراً أكبر في مجتمعاتهم. وتقضى أكثر من عشرة بلدان في الاتحاد الأوروبي بأن يتم تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس. وفي تايلاند والصين ترعى حكومتا البلدين الدوائر التي تعلم اللغة الإنجليزية. وتحولت رواندا الفرانكوفونية في عام 2009 إلى تعليم الإنجليزية في مدارسها. وتنتشر اللغة الإنجليزية في كل مكان توجد فيه ديمقراطية، أو اقتصاد سوق، أو حتى أدنى ميل لهما.
لذلك باستطاعتنا جميعاً أن نتحدث معا، نحن شعوب العالم. إن تعميم اللغة الإنجليزية له نتائج سارة، لكن مثل بناء برج بابل، له نتائج سلبية أيضاً. فهي باعتبارها لغة مشتركة تعطي ميزات غير عادلة لنصف مليار شخص يتحدثونها لغة أم. ونفترض أحياناً أن الإنجليزية مقياس عالمي للتفاعلات السطحية فقط – كقول موظفي الفندق ''كيف كانت إقامتك؟'' أو استيراد استشاريي الشركات إلى لغاتهم كلمات مثل benchmarking (وضع معيار يهتدى به). لكن أساتذة الجامعات الفرنسيين والألمان، مثلا، كثيراً ما يتذمرون من أن هناك صعوبة في بناء مسيرة عملية عندما تكون جميع المجلات الأكاديمية باللغة الإنجليزية.
وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون للتنوع أثر معوق للتنوع. فعندما تعمد الجامعات، سواء في كويبيك، أو باريس، أو كتالونيا إلى تدريس فصول باللغة الإنجليزية العالمية، فإنها يمكن أن تزين مجتمعات الطلبة لديها بأناس غرباء من حول العالم. لكن يمكن أن تكون المحصلة الصافية تحول هؤلاء الأشخاص الشباب المتباينين إلى أشخاص ناضجين غير متباينين أبداً. إن اللغة تشكل العقليات – ويصعب تحديد عمق هذا التشكيل. وانتشار الإنجليزية قد يحد من قدرتنا على التفكير بطرق مختلفة.
في مقال أخّاذ كتبه لمجلة ''نيويورك ريفيو أوف بوكس'' في حزيران (يونيو) الماضي، تحدث الروائي تيم باركس عن شكه في أن المؤلفين العالميين اليوم يكتبون وعيونهم على قابلية عملهم للترجمة إلى اللغة الإنجليزية. وقال في مقاله: ''لقد قاموا فعلاً بالترجمة داخل لغاتهم الخاصة''. وعبر باركس عن امتنانه للمباشرة directness التي انتجها ذلك، لكنه عبر عن خشية من أن هذه المباشرة جاءت على حساب التنوع الأدبي. إن اللغة الإنجليزية العالمية تسمح للكتاب بالذهاب ''ليس بعيداً جداً، ولكن في نصف الوقت''، كما كانت تقول أغنية كيور القديمة.
الكاتب روبرت مكروم أورد في كتابه الأخير Globish أن هناك أربعة مليارات شخص يفهمون الإنجليزية، إذا كنا أسخياء بشأن ما نعنيه بالإنجليزية. هنا يمكن للمرء أن يفرك عينه فقط، فأي شخص في سن 38 أو أكبر الآن، كان حياً عندما كان أربعة مليارات أكثر من كامل عدد سكان الكوكب.
فقد وصل ذلك المستوى في عام 1974، قبل سبعة أعوام فقط من مجيئ فرانسوا متران إلى السلطة في فرنسا. وفي تلك الآونة شن وزير ثقافته، جاك لانج، حرباً على الاستعمار اللغوي للإنجليزية. وقررت حكومة لاحقة في باريس وجوب أن تكون 40 في المائة من الأغاني الشعبية التي تبثها الإذاعة باللغة الفرنسية. وكان ذلك القانون مدعاة لكثير من الضحك في واشنطن ولندن. لكن لا يبدو أنه على تلك الدرجة من الجنون التي بدا عليها في ذلك الوقت.المصدر: منتديات الطيب للجميع - من قسم: { English Forum }hgtvksd,k ugn pr td lrh,lm hggym hgYk[gd.dm
المفضلات